فصل: تفسير الآية رقم (51):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (51):

{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)}
قوله عز وجل: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: تطلق من تشاء من نسائك وتمسك من تشاء منهن، قاله ابن عباس.
الثاني: تترك نكاح من تشاء وتنكح من تشاء، قاله الحسن.
الثالث: تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها، وتأتي من شئت من أزواجك فلا تعزلها، قاله مجاهد. ويدل على أن القَسم في هذا التأويل كان ساقطاً عنه.
الرابع: تؤخر من تشاء من أزواجك، وتضم إليك من تشاء منهن، قاله قتادة. وروى منصور عن ابن رزين قال: بلغ بعض نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يخلي سبيلهن، فأتينه فقلن: لا تخل سبيلنا وأنت في حل فيما بيننا وبينك، فأرجأ منهن نسوة وآوى نسوة فكان ممن أرجأ جويرية وميمونة وأم حبيبة وصفية وسودة. وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ما تشاء، وكان ممن آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب وكان قسمه في ماله ونفسه فيهن سواء.
{وَمَنِ ابْتَغَيتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} أي من ابتغيت فأويته إليك ممن عزلت أن تؤديه إليك.
{فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} فيهن وجهان:
أحدهما: فلا جناح عليك في من ابتغيت، وفي من عزلت. قاله يحيى بن سلام.
الثاني: فلا جناح في من عزلت أن تؤويه إليك، قاله مجاهد.
{ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ ءَاتيتَهُنَّ كُلُهُنَّ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: إذا علمن أنه لا يطلقهن قرت أعينهن ولم يحزن.
الثاني: إذا علمن أنه لا يتزوج عليهن قرت أعينهن ولم يحزن. قاله قتادة.
الثالث: إذا علمن أن هذا من حكم الله تعالى فيهن قَرَّت أعينهن ولم يحزن. قاله قتادة.
الرابع: أنهن علمن أن له ردهن إلى فراشه إذا اعتزلهن قرَّت أعينهن ولم يحزن، قاله مجاهد.

.تفسير الآية رقم (52):

{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)}
قوله عز وجل: {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِنْ بَعْدُ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: لا يحل لك نساء من بعد نسائك اللاتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة. قال ابن عباس وقتادة. وهن التسع صار مقصوراً عليهن وممنوعاً من غيرهن.
الثاني: لا يحل لك النساء من بعد الذي أحللنا لك بقولنا {إِنَّآ أحْلَلْنَا لَكَ أَزَْوَاجَكَ اللاَّتِي ءَآتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} إلى قوله {إن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} الآية.
وكانت الإباحة بعد نسائه مقصورة على بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته المهاجرات معه، قاله أبي بن كعب.
الثالث: لا يحل لك النساء من غير المسلمات كاليهوديات والنصرانيات والمشركات، ويحل ما سواهن من المسلمات، قاله مجاهد.
{وَلاَ أَن تَبَدَّلَ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنَهُنَّ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: ولا أن تبدل بالمسلمات مشركات، قاله مجاهد.
الثاني: لا تطلق زوجاتك لتستبدل بهن من أعجبك حسنهن، قاله الضحاك. وقيل التي أعجبه حسنها أسماء بنت عميس بعد قتل جعفر بن أبي طالب عنها.
الثالث: ولا أن تبدل بأزواجك زوجات غيرك فإن العرب كانوا في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم فيعطي أحدهم زوجته لرجل ويأخذ بها منه زوجته بدلاً منها، قاله ابن زيد.

.تفسير الآيات (53- 54):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54)}
قوله عز وجل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامُنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إلاَّ أَن يُؤذَنَ لَكُمْ} سبب نزل هذه الآية ما رواه أبو نضرة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بنساء من نسائه وعندهن رجال يتحدثون، فكره ذلك وكان إذا كره الشئ عُرف من وجهه فلما كان العَشي خرج فصعد المنبر فتلا هذه الآية.
قوله عز وجل: {إِلَى طَعَامِ غَيْرَ نَاظِرينَ إِنَاهُ} فيه تأويلان:
أحدهما: غير منتظرين نضجه، قاله الضحاك ومجاهد.
الثاني: غَيْرَ متوقعين لحينه ووقته، قاله قتادة.
{وَلكِن إذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ} فدل هذا على حظر الدخول بغير إذن.
{فَإذَا طَعِمْتُمْ فآنتَشِرُواْ} أي فاخرجوا، فدلّ على أن الدخول للأكل يمنع من المقام بعد الفراغ من الأكل.
{وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} روى أبو قلابة عن أنس. قال: لما أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زينبُ بنت جحش وضع طعاماً ودعا قوماً فدخلوا وزينب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يتحدثون وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع وهم قعود فأنزل الله تعالى: {فَإذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُواْ}.
قوله عز وجل: {فَيَسْتَحْي مِنكُمْ} يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبركم.
{وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْي مِنَ الْحَقِّ} أن يأمركم به.
{وَإذَا سَألْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: حاجة، قاله السدي.
الثاني: صحف القرآن، قاله الضحاك.
الثالث: عارية، قاله مقاتل. ومعانيها متقاربة.
{فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} أمرن وسائر النساء بالحجاب عن أبصار الرجال وأمر الرجال بغض أبصارهم عن النساء.
وفي سبب الحجاب ثلاثة أقاويل:
أحدها ما رواه مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت آكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيساً في قعب، فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت إصبعه إصبعي فقال عمر لو أُطَاعُ فيكن ما رأتكن عين، فنزلت آيات الحجاب.
الثاني: ما رواه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إلى المباضع وهي صعيد أفيح يتبرزن فيه، وكان عمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك يا رسول الله، فلم يكن يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة ليلة من الليالي، وكانت امرأة طويلة فناداها بصوته الأعلى: قد عرفناك يا سودة، حرصاً أن ينزل الحجاب قالت: فأنزل الله تعالى الحجاب.
الثالث: ما روى ابن مسعود أن عمر رضي الله عنه أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب فقالت زينب بنت جحش: يا ابن الخطاب إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا، فأنزلت الآية: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حَجَابٍ}.
{ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهنَّ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أطهر لها من الريبة.
الثاني: أطهر لها من الشهوة.
{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤُذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَلآَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً} حكى السدي أن رجلاً من قريش من بني تميم قال عند نزول الحجاب أيحجبنا رسول الله عن بنات عمنا ويتزوج نساءَنا لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده، فأنزلت هذه الآية. ولتحريمه تعديهن لزمت نفقاتهن من بيت المال.
واختلف أهل العلم في وجوب العدة عليهن بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن على وجهين:
أحدهما: لا تجب عليهن العدة لأنها مدة تربص ينتظر بها الإباحة.
الثاني: تجب لأنها عبادة وإن لم تعقبها إباحة.

.تفسير الآية رقم (55):

{لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)}
قوله عز وجل: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِّي ءَابَآئِهِنَّ وَلآ أَبْنَآئِهِنَّ} فيه قولان:
أحدهما: لا جناح عليهن في ترك الحجاب. قاله قتادة.
الثاني: في وضع الجلباب، قاله مجاهد.
{وَلاَ إخْوَانِهِنَّ وَلآَ أَبْنَآءِ إخَوَانِهِنَّ وَلآ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ} قال الشعبي لم يذكر العم لأنها تحل لابنه فيصفها له.
{وَلاَ نِسَآئِهِنَّ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني النساء المسلمات دون المشركات، قاله مجاهد.
الثاني: أنه في جميع النساء.
{وَلاَ مَا مَلََكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} فيه قولان:
أحدهما: الإماء دون العبيد، قاله سعيد بن المسيب.
الثاني: أنه عام في الإماء والعبيد. واختلف من قال بهذا فيما أبيح للعبد على قولين:
أحدهما: ما أبيح لذوي المحارم من الآباء والأبناء ما جاوز السرة وانحدر عن الركبة لأنها تحرم عليه كتحريمها عليهم.
الثاني: ما لا يواريه الدرع من ظاهر بدنها، قاله إبراهيم. لأنه العبد وإن حرم في الحال فقد يستباح بالعتق في ثاني حال. وسبب نزول هذه الآية ما حكاه الكلبي أنه لما نزل في آية الحجاب {وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مَن ورَآءِ حَجَابٍ} قام الآباء والأبناء وقالوا يا رسول الله نحن لا نكلمهن أيضاً إلا من وراء حجاب، فنزلت هذه الآية.

.تفسير الآية رقم (56):

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)}
قوله عز وجل: {إنَّ اللَّهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن صلاة الله تعالى عليه ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء، قاله أبو العالية.
الثاني: أن صلاة الله تعالى عليه المغفرة له، وصلاة الملائكة الاستغفار له، قاله سعيد بن جبير.
الثالث: أن صلاة الله تعالى عليه رحمته، وصلاة الملائكة الدعاء له، قاله الحسن، وهو معنى قول عطاء بن أبي رباح.
الرابع: أن صلاتهم عليه أن يباركوا عليه؟ قاله ابن عباس.
{يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلَّمُواْ تَسْلِيماً} روى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى. قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله قد عرفنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ فقال: «قُولُواْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صلَيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آل إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ».
قال أبو العباس ثعلب: معنى قولنا اللهم صل على محمد أي زد محمداً بركة ورحمة، ويجري فيه التأويلات المذكورة.
وقوله تعالى: {وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} يحتمل وجهين:
أحدهما: سلموا لأمره بالطاعة له تسليماً.
الثاني: وسلموا عليه بالدعاء له تسليماً أي سلاماً.
حكى مقاتل قال: لما نزلت هذه الآية قال المسلمون فما لنا يا رسول الله؟ فنزلت {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلآَئِكَتُهُ} الآية.

.تفسير الآيات (57- 58):

{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)}
قوله عز وجل: {إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ} فيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم أصحاب التصاوير؛ قاله عكرمة.
الثاني: أنهم الذين طعنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اتخذ صفية بنت حيي بن أخطب، قاله ابن عباس.
الثالث: أنهم قوم من المنافقين كانوا يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبهتونه قاله يحيى بن سلام.
وفي قوله: {يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ} ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه يؤذون أولياء الله.
الثاني: أنه جعل أذى رسوله صلى الله عليه وسلم أذى له تشريفاً لمنزلته.
الثالث: هو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا كَانَ يَنبَغِي لَهُ أَن يَشْتُمَنِي، وَكَذَّبَنِي وَمَا كَانَ لَهُ أَن يُكَذِّبَنِي فَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّاي فَقَولُهُ إِنَّ لِيَ وَلَداً وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَولُهُ إنِّي لاَ أَبْعَثُ بَعدَ المَوتِ أَحداً. وَلَعنُة الدُّنْيَا التَّقْتِيلُ وَالجَلاَءُ، وَلَعْنَةُ الآخرَةِ النَّارُ».
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الآية. فيمن نزلت فيه هذه الآية ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في الزناة وكانوا يمشون فيرون المرأة فيغمزونها؛ قاله الكلبي.
الثاني: نزلت في قوم كانوا يؤذون علياً رضي الله عنه، ويكذبون عليه، قاله مقاتل والنقاش.
الثالث: أنها نزلت فيمن تكلم في عائشة وصفوان بن المعطل بالإفك، قاله الضحاك. وروى قتادة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأها ذات ليلة فأفزعه ذلك حتى انطلق إلى أبيّ فقال يا أبا المنذر إني قرأت كتاب الله فوقعت مني كل موقع. {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ} والله إني لأعاقبهم وأضربهم، فقال: إنك لست منهم، إنما أنت مؤدب، إنما أنت معلم.